سورة سبأ - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا} أي في إبطال أدلتنا والتكذيب بآياتنا. {مُعاجِزِينَ} مسابقين يحسبون أنهم يفتوننا، وأن الله لا يقدر على بعثهم في الآخرة، وظنوا أنا نهملهم، فهؤلاء {لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} يقال: عاجزة وأعجزه إذا غالبه وسبقه. و{أليم} قراءة نافع بالكسر نعتا للرجز، فإن الرجز هو العذاب، قال الله تعالى: {فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ} [البقرة: 59]. وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم {عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} برفع الميم هنا وفي {الجاثية} نعتا للعذاب. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد بن قيس ومجاهد وأبو عمرو {معجزين} مثبطين، أي ثبطوا الناس عن الايمان بالمعجزات وآيات القرآن.


{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)}
لما ذكر الذين سعوا في إبطال النبوة بين أن الذين أوتوا العلم يرون أن القرآن حق. قال مقاتل: {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} هم مؤمنو أهل الكتاب.
وقال ابن عباس: هم أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل جميع المسلمين، وهو أصح لعمومه. والرؤية بمعنى العلم، وهو في موضع نصب عطفا على {لِيَجْزِيَ} أي ليجزي وليرى، قاله الزجاج والفراء. وفية نظر، لان قوله: {لِيَجْزِيَ} متعلق بقوله: {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} الساعة، ولا يقال: لتأتينكم الساعة ليرى الذين أوتوا العلم أن القرآن حق، فإنهم يرون القرآن حقا وإن لم تأتهم الساعة. والصحيح أنه رفع على الاستئناف، ذكره القشيري. قلت: وإذا كان {لِيَجْزِيَ} متعلقا بمعنى أثبت ذلك في كتاب مبين، فيحسن عطف {وَيَرَى} عليه، أي وأثبت أيضا ليرى الذين أوتوا العلم أن القرآن حق. ويجوز أن يكون مستأنفا. {الَّذِي} في موضع نصب على أنه مفعول أول ل {يَرَى} {هُوَ الْحَقَّ} مفعول ثان، و{هُوَ} فاصلة. والكوفيون يقولون {هُوَ} عماد. ويجوز الرفع على أنه مبتدأ. و{الْحَقَّ} خبره، والجملة في موضع نصب على المفعول الثاني، والنصب أكثر فيما كانت فيه الالف واللام عند جميع النحويين، وكذا ما كان نكرة لا يدخله الالف واللام فيشبه المعرفة. فإن كان الخبر اسما معروفا نحو قولك: كان أخوك هو زيد، فزعم الفراء أن الاختيار فيه الرفع. وكذا كان محمد هو عمرو. وعلته في اختياره الرفع أنه لم تكن فيه الالف واللام أشبه النكرة في قولك: كان زيد هو جالس، لان هذا لا يجوز فيه إلا الرفع. {وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} أي يهدي القرآن إلى طريق الإسلام الذي هو دين الله. ودل بقوله: {الْعَزِيزِ} على أنه لا يغالب. وبقوله: {الْحَمِيدِ} على أنه لا يليق به صفة العجز.


{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)}
قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ} وإن شئت أدغمت اللام في النون لقربها منها. {يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} هذا إخبار عمن قال: {لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ} [سبأ: 3] أي هل نرشدكم إلى رجل ينبئكم، أي يقول لكم: إنكم تبعثون بعد البلى في القبور. وهذا صادر عن فرط إنكارهم. الزمخشري: فإن قلت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشهورا علما في قريش، وكان إنباؤه بالبعث شائعا عندهم، فما معنى قولهم:
{هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ} فنكروه لهم وعرضوا عليهم الدلالة عليه، كما يدل على مجهول في أمر مجهول. قلت: كانوا يقصدون بذلك الطنز والهزؤ والسخرية، فأخرجوه مخرج التحكي ببعض الاحاجي التي يتحاجى بها للضحك والتلهي، متجاهلين به وبأمره. و{إِذا} في موضع نصب والعامل فيها {مُزِّقْتُمْ} قاله النحاس. ولا يجوز أن يكون العامل فيها {يُنَبِّئُكُمْ}، لأنه ليس يخبرهم ذلك الوقت. ولا يجوز أن يكون العامل فيها ما بعد {إن}، لأنه لا يعمل فيما قبله، وألا يتقدم عليها ما بعدها ولا معمولها. وأجاز الزجاج أن يكون العامل فيها محذوفا، التقدير: إذا مزقتم كل ممزق بعثتم، أو ينبئكم بأنكم تبعثون إذا مزقتم. المهدوي: ولا يعمل فيه {مُزِّقْتُمْ}، لأنه مضاف إليه، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف. وأجازه بعضهم على أن يجعل {إذا} للمجازاة، فيعمل فيها حينئذ ما بعدها لأنها غير مضافة إليه. وأكثر ما تقع {إذا} للمجازاة في الشعر. ومعنى {مزقتم كل ممزق} فرقتم كل تفريق. والمزق خرق الأشياء، يقال: ثوب مزيق وممزوق ومتمزق وممزق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8